محمود حمدون
 محمود حمدون


« بالمعنى الدارج» قصة قصيرة للكاتب محمود حمدون

صفوت ناصف

الجمعة، 29 سبتمبر 2023 - 07:34 م

استوقفني, بأدب رفيع يخالف السائد الآن, قال: اسمي: عرفان عبد الواحد, ربما لم ترني من قبل غير أنني أعرفك جيدًا, صمت قليلًا, ثم أكمل: هل من معروف تقدمه إليّ؟ ثم تمالك نفسه بسرعة وأكمل: لا أسألك صدقة ولا أمد يدي لأحد, فقط أرغب أن تكتب قصتي.

-كيف عرفتني؟

مدّ يده بالسلام, بعدما أيقن أن جوابي يحمل موافقة مبدئية, فبادلته السلام, سقطت حقيبتي من يدي, تناثرت محتوياتها, لم أهتم أمام شغفي بمعرفة ما وراء ذلك الرجل!, لذلك سألته: ما حكايتك؟

-لا شيء. لا شيء البتة.. ثم ساد بيننا صمت غليظ.

فأغاظني ردّ فعله, فقلت: " يعني إيه لا شيء", عن ماذا أكتب عنك إذن؟

فزاد من أدبه, حتى استشعرت الخجل في حضرته, قال: ذلك متروك لك.

-إذن اعطني بداية الخيط, خذ بيدي إلى أول درجة إلى السلم.

 

فقال: حسنًا, الأمر بسيط للغاية, أنا شخص عادي, تافه بالمعنى الدارج, لا قيمة لي بين الناس على رغم منصبي الرفيع, دخلي المادي العالي وعائلتي الغارقة في العراقة, لكن النقيصة بداخلي تتعاظم كل يوم عن الآخر, أرى ضآلتي على حقيقتها كل ليلة حينما أنزع ملابسي وأقف عاريًا أمام مرآة الحمام.

قاطعته: ربما أسيئ لك من حيث لا تدري إن كتبت عنك؟ فأحطّ من شأنك أكثر, ثم تراجعت قائلًا: أعتذر إليك من قبح كلماتي, لكنك دفعتني دفعًا إلى هذا الطريق.

فقال وهو يرفع رأسه في كبرياء: يكفي أن أصبح أحد شخصيات أو أبطال قصصك.

فقلت تلطيفًا لحدِّة الحوار بيننا: غير أنهم مضطربون نفسيًا, ثم صححت العبارة فورًا ( غالبيتهم وليس جميعهم)

فتجهم, قال وهو يضغط على حروف كلماته: لا يخلو آدمي الآن من علّة نفسية تصيبه, ثم ابتسم وأكمل: لا تجزع سأجزل لك العطاء.

فأجبته : لا أتقاضى أجرًا عن ذلك.

-فمن أين تعيش ؟

فأجبته وأنا ألملم متاعي من على الأرض: هل سمعت من قبل عن تجربة " سجن ستانفورد"؟

فقال: لا

فشددت على يديه بحرارة وودّعته وأنا أعاهده أن أكتب عنه كما يجب, ثم غادرته بعدما أهديته أحد أقلامي التي جف حبرها من سنوات.

 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة